الخميس، 7 مارس 2013

بين الهوية واﻹنفتاح على العالم (1)




هل هناك صراع حقيقي بين اﻷصالة والمعاصرة ... صراع بين الهوية واﻹنفتاح على العالم إن وجد فإلى أي مدى ...؟؟؟ وماهي آلية قياس ومعرفة درجة الصراع والتأثير ..؟؟


في اﻷصل وفي التدرج الطبيعي ﻷي حضارة لا يوجد صراع بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم. ولكن كلما وهنت الإنسانية وضعفت وقلت قيمة اﻹنسان في مكان ما كلما ظهر الصراع بين الهوية والانفتاح على العالم.
لنستعرض سوياً بعض النماذج التي تدل على عدم وجود صراع بين الحفاظ على الهوية والانفتاح على العالم :

أول نموذج هو الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وقد ورد عنه انه صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدايا التي تأتيه من البلدان الأخرى ومثال على هذه الهدايا ما ارسله المقوس للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (فيروى عن المقوقس أنه أخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله في حُقِّ من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتباً له يكتب بالعربية، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد‏:‏ فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت بغلة لتركبها، والسلام عليك‏)‏‏.‏)))))))))) ) 

نلاحظ هنا أن الجاريتين يعني أنه سيوجد التصاق تام بين الأصالة والانفتاح على الآخر.. والكسوة... هي صورة أخرى من صورة التبادل الثقافي والتراثي

ولم يزد على هذا ولم يسلم، والجاريتان مارية، وسيرين، والبغلة دُلْدُل، بقيت إلى زمن معاوية ، واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مارية سرية له، وهي التي ولدت له إبراهيم‏.‏ وأما سيرين فأعطاها لحسان بن ثابت الأنصاري‏.‏ )(({الرحيق المختوم}


والنموذج الثاني لبلقيس ملكة سبأ فرغم قوة مملكتها إلا انها بحكمتها وعلمها وخبرتها ادركت حجم وقوة سيدنا سليمان عليه السلام ..فقبلت الذهاب إليه والدخول معه في دينه ( لأنه الدين الصحيح ) وفي فعلها هذا حفاظ على هوية مملكتها وحفاظ على قوتها.


النموذج الثالث لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أدخل نظام الحسبة ونظام الدوواوين وقد كانا معروفين عند الروم ولم يكونا من الأنظمة المستخدمة عند المسلمين.

النموذج الرابع لأم الإمام الشافعي حينما أرسلته إلى البادية ليتفصح اللغة العربية (اتجه الشافعي إلى التفصِّح في اللغة العربية، فخرج في سبيل هذا إلى البادية، ولازم قبيلة هذيل، قال الشافعي: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار». ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذيليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس».) {ويكيبديا}


إن القبيلة التي ضوى إليها الشافعي هي هذيل، وهم يوصفون بأنهم أفصحُ العرب،

ويروى عن الشافعي : أقمت في بطون العرب عشرين سنة ، آخذ أشعارها ولغاتها ، وحفظت القرآن ، فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه. 

(نشأ الامام الشافعي يتيما في حجر أمه ، فخافت عليه الضيعة ، فتحولت به إلى مَحْتِده وهو ابن عامين ، فنشأ بمكة ، وأقبل على الرمي ، حتى فاق فيه الأقران ، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ، ثم أقبل على العربية والشعر ، فبرع في ذلك وتقدم . ثم حُبِّبَ إليه الفقه ، فساد أهل زمانه .) {موقع اسلام ويب}

ويقال أن والدته هي من أوصته ان يتعلم الرماية ليكون مثل أقرانه (ليكون بينه وبينهما لغة تواصل وشيئ مشترك يستطيع ان يتواصل معهم من خلاله.
كانت هذه بعض نماذج يتضح فيها الانفتاح على العالم دون ضرر او مضرة.


متى يحدث الصراع..؟؟


كلما ضعف ووهن العنصر الانساني في بلد أو مكان ما زاد الصراع داخل الأسرة مع الأبناء بين الأصالة والمعاصرة فمن يفقد انسانيته يفقد معنى الهوية ، بل على العكس كان هو أحد المقاومين لها ويهرب منها ليبحث في العالم الخارجي عما يعوضه عن ذلك ويزداد الانفتاح على الاخر كلما تقبل العالم هذا الانسان. وكلما رفضه مجتمعه وضاق به وضاقت به أسرته خرج الى العالم الخارجي باحثاً عن انتماء آخر وهوية أخرى.وقد عاش كثير من الشباب فترات زمنية طويلة في ظل الصراعات بين الأصالة والانفتاح على العالم. بسبب ضعف قيمته داخل وطنه

واحدى مغذيات الصراع هو جعل الموروثات والدين في سلة واحدة رغم أنهما مختلفان وعلى المستوى الأسري كمثال عندما لا تفرق الأسرة عند تنشئة أبنائها بين الموروث والدين ، نجد أنهم أنشأوا أجيالا تنفر من كليهما.

عندما ينهى أحد الوالدين عن أمر ما ويسألهما الأبناء عن السبب ثم يدعون بأنه حرام وهو ليس كذلك .حينها يبدأ التداخل بين منطقة الدين ومنطقة الموروثات وحينها ايضا يبدأ الصراع بين الهوية المختلطة بالدين والانفتاح على العالم.هناك أيضا واحدة من مغذيات الصراع وأقواها وأشدها عندما يجعل بعض الخطباء الموروثات جزء من الدين ، يصفون مايرونه عيباً بالحرام والغير جائز .


ما هي آلية قياس ومعرفة درجة الصراع والتأثير..؟؟

لا توجد آلية علمية وبحثية لمعرفة درجة الصراع بشكل دقيق إلا اننا نستطيع أن نلحظه في الساحة العربية التي شهدت توترات شديدة بين ثنائيات عديدة ومترادفات لمعنى واحد : التقليد والتجديد ، المحافظة والتحديث ، الجمود والتحرر ، الرجعية والتقدمية ، الأنا والآخر ، الداخل والخارج ، المحلي والعالمي ، القديم والجديد ، التراث والحداثة، والأصالة والمعاصرة . وجدت منذ عصر النهضة ـ وتوجد الآن ـ في المجتمع العربي البعض ينشر دعوات - تصريحاً أو تلميحاً - إلى تقليد الغرب جملة وتفصيلا ، بهدف الخروج من وضعنا البئيس. إن بعضهم يفسر هذا الميل بالقانون الاجتماعي الذي ذكره ابن خلدون ، القاضي بأن المغلوب مجبول على تقليد الغالب في كل شيئ. وفي المقابل نرى البعض الآخر يدعوا إلى رفض كل ماهو آت من العالم الخارجي بحجة الحفاظ على تراثنا وثقافتنا.

وبين متشدد هنا ومتشدد هناك تسير أمتنا ويزداد الصراع وينقص بحسب شدة صراع دعاة الطرفين.وبين طرفي دعاة الإندماج الكامل والرفض التام هناك طرف ثالث وسطي يحاول أن يجيب كيف لنا أن ننفتح على العالم مع المحافظة في الوقت ذاته على أصالتنا ومرجعيتنا وثقافتنا..

في المرة القادمة سنحاول عرض رؤى وأفكار الطرف الوسطي وهل من السهولة تنفيذ هذه الأفكار ..؟؟