السبت، 4 مايو 2013

كي يروق مزاجك!



تخيل معي، لو أن شخصا جلس أمامك في أحد الصباحات الجميلة وأنت في حالة مزاجية جيدة، فأخذ يحدثك باستفزاز وهو يتقصد أن يذكر لك قوائم السلبيات والنقائص والإخفاقات والإحباطات والمشاكل والمعوقات التي في حياتك، واستمر بذلك بلا توقف لفترة من الزمن، فهل تراه سيكون قادراً على إفساد مزاجك؟!
تظهر مشاهداتي وتجربتي الذاتية أنه في الأغلب والأعم من الحالات، سيتمكن من ذلك بسهولة، وسيجد الواحد منّا بعدها نفسه وقد وقع فريسة لتلك الكلمات السلبية المحبطة المثبطة وانقلب مزاجه رأساً على عقب ليفقد الرغبة مباشرة في العمل والتواصل وربما فعل أي شيء!
هذه الحقيقة المشاهدة، والتي لم أر عكسها إلا نادراً وفي حالات استثنائية، تثبت أن الإنسان كائن "مزاجي" رغماً عن أنفه، وأن مزاجه هو المتحكم بأفعاله في الأغلب، فإن راق المزاج راقت الأفعال وإن تعكر المزاج تعكرت الأفعال، ولهذا السبب كان مزاج الإنسان هو من أغلى ما يملك لأنه المهيمن على سائر تصرفاته وأفعاله وأقواله.
وقد كتبت يوما في "تويتر" بأن مزاجك هو أغلى ما تملك، فاجعله مرتفعاً، لتقرأ ولتكتب ولتعمل ولتتفاعل بإيجابية، ولهذا لا تعطي أي مخلوق فرصة لتعكيره. وحين أقول "مخلوق" هنا فلا أعني فقط مجموعة الأشخاص من حولك إنما كل شيء، بما فيها المواقف والظروف وحتى الأفكار الداخلية التي تطن في أذن الإنسان طوال الوقت إيجاباً وسلباً في الأغلب وفق ما تشير إليه الدراسات السلوكية.
حين يكون الإنسان في مزاج رائق فلا يعني ذلك أن حياته قد خلت من المنغصات أو أن كل التحديات التي تواجهه قد تلاشت أو أن المعوقات التي لطالما اعترضت سبيله قد تحطمت، فلا توجد حياة وردية على هذه الشاكلة أبداً، وقصارى الأمر أن الإنسان في تلك اللحظة كان ينظر إلى الناحية الإيجابية من حياته، فيرى الجوانب المشرقة المضيئة ويبصر فيها ما يستحق السعادة والفرح واعتدال المزاج. لذلك فالإنسان في النظرية قادر على السيطرة على مزاجه، وبالتبعية السيطرة على طريقة تصرفاته وأفعاله وأقواله، لو تعلم كيف يفعل ذلك بشكل من الأشكال، ولو أدرك قبلها طبعاً وبشكل عميق أهمية اعتدال المزاج لكي تعتدل سائر أموره من بعدها.
عندما يدرك الإنسان أهمية اعتدال المزاج وروقانه، فإن من الذكاء والحكمة حينها، وكما أنه يجب أن يحرص على الابتعاد عن المنغصات المفسدة لروقان مزاجه، أن يحرص كذلك على البحث عن المغذيات المزاجية الإيجابية التي تجعل مزاجه طيباً رائقاً، والتي هي موجودة لرحمة الله بنا في أبسط الأشياء لو أننا كلفنا أنفسنا فقط أن نبحث عنها، موجودة في السلام على من نعرف ومن لا نعرف، موجودة في الابتسامة الصادقة في وجوه خلق الله. موجودة في الكلمة الطيبة نفشيها بيننا، موجودة في تشجيعنا لمن يحسن عملاً وشكره، موجودة في الهدية نتبادلها بيننا حتى لو لم تكن غالية الثمن وحتى لو كانت مجرد بطاقة ملونة تحمل بعضاً من عبارات المودة والتقدير، موجودة في رفقة الأخيار الطيبين والأنس بصحبتهم، موجودة في الهوايات المفيدة وقضاء الوقت بشكل مفيد للجسد والفكر والنفس. هي موجودة ومتاحة ومبذولة في أشياء كثيرة جداً من حولنا وغالباً بلا ثمن أو بأرخص الأثمان لو أننا أردنا حقاً أن نجدها.
تخيلوا معي مجددا لو أن شخصاً امتلك مناعة مزاجية عالية جداً، فكان قادرا بذلك على أن يقاوم كل المؤثرات السلبية التي تحيط به فلا هو يتأثر بها ولا هي تتمكن من النفاذ عبر قشرته الخارجية إلى عمق نفسه لتفسد مزاجه، كم سيكون رائقاً ورائعاً وجميلاً طوال الوقت، وكم سيكون منتجاً مقبلاً معطاءً أيضاً طوال الوقت. فليتنا نتعلم، ولو قليلاً، كيف نتحكم بمزاجاتنا وكيف نبرمجها إيجابياً وكيف نسيطر على انفعالاتنا، من خلال البعد عن مفسدات المزاج والبحث عن المغذيات الإيجابية التي تساعدنا على الحياة الجميلة.
أسعدكم الله جميعا يا سادتي، ورزقكم مزاجات جميلة رائقة.

د. ساجد العبدلي