الثلاثاء، 16 أبريل 2013

مابين قوله عزوجل " عبس وتولى " وبين مقولة النصحية في الملأ فضيحة ..يقع حق النقد وواجباته ووحدوده


جعل الله عزوجل الدين مصدر تشريعي سماوي يشمل كل صغيرة وكبيرة .. وبعد أن أتم الله عزوجل نوره بتمام رسالة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام جعل لها خيريتها [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ](آل عمران: ١١٠)

وعندما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بايعهم على "النصح لكل مسلم "

 قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".

ولكننا في هذه الأيام نعيش كبوة اسمها " ان النصيحة في الملأ فضيحة " 



وأحاول هنا أن أفكر معكم ماهي النصيحة ..؟؟؟ وما هي حدودها ...؟؟ ومتى تكون النصيحة في الملأ فضيحة ..؟؟؟ ومتى تكن واجبة...؟؟؟

ما أكتبه هنا هو حوار يدور مع نفسي من خلال فهمي لديني 

كلما انتقدنا من يحكمنا الآن لا نجد إلا من يتهمنا إما بالتخوين أو الكره أو عدم فهم وإدراك للأمور أو قيل لنا إن الإسلام يؤتى من كل جانب فلا تجعله يؤتى من جانبك.
سنتقبل وجهة نظرهم من باب قبول الرأي الآخر ولكن أقول لهم افلا سمعتمونا فلعلنا ينطبق علينا " أصابت إمرأة وأخطأ عمر"
وسأذكر هنا عدة مواقف بعضها النصيحة كانت علنا وأخرى كانت سرا.. ثم نحاول أن نعرف سويا لماذا كانت في بعضها عامة وفي بعضها خاصة.

في صدر الإسلام ذكر لنا القرآن الكريم موقف رائع خلده في كتابه العزيز في آية 1-"عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى"

وهذه الأيات هي عتاب من الله عزوجل لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم لإنشغاله بدعوة كبار قريش للإسلام عن الدعوة بمن جاء يسئل ويتعلم ... وكان ذلك الموقف في صدر الإسلام .. وكان ذلك الموقف في وقت الإسلام فيه ضعيف لم يظهر بعد .. وكان من الممكن أن يقال أن مثل هذه الأيات سيأخذها الكفار على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ولكن لأنه دين الحق والحق أحق أن يتبع نجدهم بهذه الآيات يشعرون بمدى صدق دعوته صلى الله عليه وسلم ومدى أمانته في تبليغ الرسالة وأداء الأمانة . وصحيح أن الآيات عتاب رقيق من رب العزة لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعليم لنا بأننا أولى لنا أن نصدق مع أنفسنا ليأتي النصر

موقف آخر كان فيه عتاب من الله عزوجل لحبيبه وكان موقف أشد ثقلا عليه .عليه أفضل صلاة واتم تسليم 
2-{وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا }. 

الموقف ببساطة يحكي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في صدر الإسلام تبنى سيدنا زيد بن حارثة إكراما له رضى الله عنه وأرضاه لأنه اختار أن يظل في كنف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حتى ولو ظل عبدا على أن يفارقه ويصبح حرا .. ثم مع توالى نزول الشريعة أنهى الإسلام  هذه البنوة ثم اراد الله عزوجل أن يعلمنا أمرا في ديننا وهو جواز أن يتزوج المتبني زوجة إبنه من التبني خلافا لزواجه من زوجة إبنه من صلبه .. وعندما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله عزوجل بأن زيدا سيطلقها وان الرسول صلى الله عليه وسلم سيتزوجها حدث في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الخشية مما سيقوله الناس .. فنزل عتاب خفيف من الله عزوجل لحبيبه.
هذا الموقف موقف شديد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعاتبه الله عزوجل وتخفي في نفسك ما الله مبديه } و (وتخشىالناس والله أحق أن تخشاهفيه أربعة أقوال : الأول : تستحي منهم ، والله أحق أن تخشاه ، وتستحي منه . والخشية بمعنى الاستحياء كثيرة في اللغة . 
الثاني : تخشى الناس أن يعاتبوك ، وعتاب الله أحق أن تخشاه . 

الثالث : وتخشى الناس أن يتكلموا فيك . 

وقيل : أن يفتتنوا من أجلك ، وينسبوك إلى ما لا ينبغي . والله أحق أن تخشاه فإنه مالك القلوب ، وبيده النواصي والألسنة.

وينزل كلمات العتاب من رب العزة ليُعلمنا نحن.

3- موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع سيدنا اسامة بن زيد.يحدثنا سيدنا أسامة بن زيد بن حارثة .قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته قال فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا قال فقال أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قال فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

وفي رواية أخرى :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين وأنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته قال وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال لا إله إلا الله فقتله فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال لم قتلته قال يا رسول الله أوجع في المسلمين وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا وإني حملت عليه فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته قال نعم قال فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال يا رسول الله استغفر لي قال وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فجعل لا يزيده على أن يقول كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة

والآن نذكر بعض المواقف التي تمت فيها النصيحة بمبدأ مابال أقوام 

1-مما يروى في الأثر من قصة لسيدنا موسى عليه السلام.كما في كتاب التوابين [لابن قدامة]- يلحق ببني إسرائيل قحط على عهد [موسى] –عليه السلام- فاجتمعوا إلى موسى ، وقالوا: يا نبي الله ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيث ، فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا وهم سبعون ألفًا أو يزيدون، فقال موسى: إلهنا اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُتَّع، والشيوخ الرُّكَّع، فما ازدادت السماء إلا تقشعًا، ذهب السحاب الذي في السماء، وما ازدادت الشمس إلا حرارة ، فقال: يا رب استسقيناك فلم تسقِنا، فقال: يا موسى إن فيكم عبدًا يبارزني بالمعصية منذ أربعين عامًا، فمُرْهُ أن يخرج من بين أظهركم؛ فبشؤم ذنبه مُنِعْتم القطر من السماء، قال: يا رب عبد ضعيف وصوتي ضعيف، أين يبلغ وهم سبعون ألفًا أو يزيدون؟، فأوحى الله إليه –سبحانه وبحمده- منك النداء وعلينا البلاغ، فقام ينادي في سبعين ألف، قام ينادي فيهم قائلا: يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية أربعين عامًا، اخرج من بين أظهرنا؛ فبشؤم ذنبك مُنِعْنَا القطر من السماء، فيوحي الله إلي موسى أنه تلفت هذا العبد يمينًا وشمالا لعله يخرج غيره، فعلم أنه المقصود بذلك، فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن بقيت هلكت وهلكوا جميعًا بالقحط والجدب. فماذا كان منه ؟ ما كان منه إلا أن ادخل رأسه في ثيابه ، وقال: يا رب عصيتك أربعين وأمهلتني، واليوم قد أقبلت إليك طائعًا تائبًا نادمًا ، فاقبلني واسترني بين الخلق هؤلاء -يا أكرم الأكرمين-؛ فلم يستتم الكلام حتى علتْ السماء سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرَب، فقال موسى لربه -سبحانه وتعالي- قال كليم الله لربه: يا رب سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد، فقال: يا موسى أسقيتكم بالذي منعتكم به، بنفس العبد الذي منعتكم به أسقيتكم به، قال: يا رب أرني هذا العبد الطائع التائب النادم، قال: يا موسى لم أكن لأفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني؟.

2- في قصة: جاء صحابي إلى رسول الله يشهد بأنه رأى رجلا وامرأة يزنيان فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( هلا سترتهما بثوبك )

3- في موقف أمنا عائشة رضي الله عنها وارضاها في حادثة الأفك وقف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم و قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
"أما بعد: أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي، ويقولون عليهم غير الحق، والله ما علمت عليهم إلا خيرا، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا، ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي"

ونحتاج لتوضيح اين يكن موضعنا بين قوله عزوجل "عبس وتولى " ومقولة الحبيب صلى الله عليه وسلم مابال أقوام وما بين النصيحة في الملأ فضيحة.ولعلنا نحتاج أولا أن نعرف مامعنى كلمة النصيحة...؟؟

معنى النَّصِيحَة لغةً: 
النصيحة اسم من نَصَحَه، ونصح له، كمنعه، نُصْحًا ونَصاحَةً ونَصاحِيَةً، يقال: نَصَحَ الشيءُ: خَلَصَ، والناصحُ: الْخَالِصُ من العَسَلِ وغَيْرِهِ، وكلُّ شيءٍ خَلَصَ، فَقَدْ نَصَحَ، فأصل النُّصْح في اللُّغة: الخُلوص، والنُّصْح نقيض الغِشِّ  .
معنى النَّصِيحَة اصطلاحًا: 
قال الخطابي: (النَّصِيحَة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له)  .
وقال الجرجاني: (النصح: إخلاص العمل عن شوائب الفساد. والنَّصِيحَة: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد)


والنصيحة واجبة  لأئمة المسلمين وعامتهم. وغير ذلك فهي خيانة لله ولرسوله وللأمة 
فالنصيحة واجبة سواء في العمل العام أو الخاص .. والنصيحة العامة في العمل العام ليست فضيحة.أما النصيحة في صفات الأشخاص يجب ان تكون سرا وتلميحا وغير ذلك فهي فضيحة..

النصيحة تستوجب ألا تعيب على شخص في شكل أو تسخر منه بتشبيه مثلا بنوع من أنواع الحيوانات.ويتوجب علينا إذا بلغنا عيب في شخص او صدور ذنب منه أن نستره.


 وخلاصة الكلام هو أن ننصح عامة إذا كان هناك حاجة للنصيحة عامة فيما يخص أمور الناس والدولة.. وان نستر ونواري عندما تتعلق الأمور بالأشخاص وأفعالهم الشخصية الخاصة بهم.