الثلاثاء، 8 مايو 2012




يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه ، فقال [ تعالى ] ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ص: 62 ] وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عند إسلامهم ، كما قالوا : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمرأهله " ، وقال تعالى : (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) [ الحديد : 8 ] وقيل : هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف : 172 ] قاله مجاهد ومقاتل بن حيان والقول الأول أظهر ، وهو المحكي عن ابن عباس والسدي واختاره ابن جرير 



ثم قال تعالى : ( واتقوا الله تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال . 



ثم أعلمهم أنه يعلم ما يتخالج في الضمائر والسرائر من الأسرار والخواطر ، فقال : ( إن الله عليم بذات الصدور 



وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله أي : كونوا قوامين بالحق لله ، عز وجل ، لا لأجل الناس والسمعة ، وكونوا ( شهداء بالقسط أي : بالعدل لا بالجور . وقد ثبت في الصحيحين ، عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : " أكل ولدك نحلت مثله؟ " قال : لا . قال : " اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم " . وقال : " إني لا أشهد على جور " . قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة 



وقوله : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أي : لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل أحد ، صديقا كان أو عدوا ; ولهذا قال : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى أي : عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه . ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه ، كما في نظائره من القرآن وغيره ، كما في قوله : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) [ النور : 28 ] 



وقوله : ( هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء ، كما في قوله [ تعالى ] ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان : 24 ] وكقول بعض الصحابيات لعمر أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم . 



ثم قال تعالى : ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون أي : وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ; ولهذا قال بعده : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة أي : لذنوبهم ( وأجر عظيم وهو : الجنة التي هي من رحمته على عباده ، لا ينالونها بأعمالهم ، بل برحمة منه وفضل ، وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم ، وهو تعالى ص: 63 ] الذي جعلها أسبابا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه ، فالكل منه وله ، فله 

الحمد والمنة.

اللهم هذا وعدك الحق وانت لا تخلف الميعاد ولكن اللهم اني بشر ضعيف اتقوى بك واتزلل لك واسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر أن تجعلني انا ممن يحافظون على هذا الوعد وان تجعل الفردوس هي مآلنا وصحبة الحبيب محمد خير بشرة لنا ولا تحرمنا ربنا من لذة النظر الى وجهك الكريم 

اللهم آمين ..اللهم آمين ..اللهم آمين

تفسير ابن كثير