الاثنين، 7 يناير 2013

احمد شوقي يرثي عمر المختار



رَكَزُوا رُفاتَكَ في الرّمال لِواءَ  ***  يَستنهضُ الوادي صباحَ مَساءَ
يا وَيْحَهم! نصبوا مَنارًا من دمٍ ***  تُوحِي إِلى جيل الغدِ البَغْضاءَ
ما ضرَّ لو جَعلوا العَلاقَة في غدٍ  ***  بين الشعوب مَوَدَّةً وإِخاءَ؟
جُرْحٌ يَصيحُ على المدَى,وضَحِيَّةٌ  ***  تتلمَّسُ الحريَّةَ الحمراءَ
يأَيُّها السيفُ المجرَّدُ بالفَلا  
***  يكسو السيوفَ على الزمان مَضاءَ
تلك الصحارى غِمْدُ كلِّ مُهَنِّدٍ  
***  أَبْلَى فأَحسنَ في العدوِّ بَلاءَ
وقبورُ مَوْتَى من شبابِ أُمَيَّةٍ  
***  وكهولِهم لم يبْرَحُوا أَحياءَ
لو لاذَ بالجوزاءِ منهم معقِل 
*** دخلوا على أَبراجِها الجوزاءَ
فتحوا الشَّمالَ: سُهولَهُ وجبالَهُ 
*** وتوغَّلوا, فاستعمروا الخضراءَ
وبَنَوْا حضارتَهم, فطَاوَلَ ركنُها 
*** (دَارَ السلامِ), و(جِلَّقَ) الشَّمّاءَ
خُيِّرْتَ فاخْتَرْتَ المبيتَ على الطَّوَى 
*** لم تَبْنِ جاهًا, أَو تَلُمَّ ثَراءَ
إِنَّ البطولةَ أَن تموتَ من الظَّما 
***  ليس البطولةُ أَن تَعُبَّ الماءَ
إِفريقِيا مَهْدُ الأُسودِ ولَحْدُها 
*** ضجَّتْ عليكَ أَراجلاً ونساءَ
والمسلمون على اختلافِ ديارِهم 
*** لا يملِكون معَ المُصَابِ عَزاءَ
والجاهليةُ من وَراءِ قُبورِهم 
*** يبكون زَيْدَ الخيل والفَلْحاءَ
في ذِمَّة اللهِ الكريمِ وحفظِه 
*** جَسَدٌ (ببرْقة) وُسِّدَ الصحراءَ
لم تُبْقِ منه رَحَى الوقائِع أَعظُمًا 
*** تَبْلَى, ولم تُبْقِ الرِّماحُ دِماءَ
كَرُفاتِ نَسْرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيْغَمٍ 
*** باتا وراءَ السَّافياتِ هَباءَ
بطلُ البَداوةِ لم يكن يَغْزو على 
***  "تَنْكٍ", ولم يَكُ يركبُ الأَجواءَ
لكنْ أَخو خَيْلٍ حَمَى صَهَواتِها 
*** وأَدَارَ من أَعرافها الهيجاءَ
لَبَّى قضاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَةٍ 
*** لم تخْشَ إِلاَّ للسماءِ قَضاءَ
وافاهُ مَرْفوعَ الجبينِ كأَنه 
*** سُقْراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ
شَيْخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لم ينفجرْ 
*** كالطفل من خوفِ العِقابِ بُكاءَ
وأَخو أُمورٍ عاشَ في سَرَّائها 
*** فتغيَّرَتْ, فتوقَّع الضَّراءَ
الأُسْدُ تزأَرُ في الحديدِ ولن ترى 
*** في السِّجنِ ضِرْغامًا بكى اسْتِخْذاءَ
وأَتى الأَسيرُ يَجُرُّ ثِقْلَ حَديدِهِ 
*** أَسَدٌ يُجَرِّرُ حَيَّةً رَقْطاءَ
عَضَّتْ بساقَيْهِ القُيودُ فلم يَنُؤْ 
*** ومَشَتْ بهَيْكله السّنون فناءَ
تِسْعُونَ لو رَكِبَتْ مَناكِبَ شاهقٍ 
*** لترجَّلَتْ هَضَباتُه إِعياءَ
خَفِيَتْ عن القاضي, وفات نَصِيبُها 
*** من رِفْق جُنْدٍ قادةً نُبَلاءَ
والسِّنُّ تَعْصِفُ كُلَّ قَلْبِ مُهَذَّبٍ 
*** عَرَفَ الجُدودَ, وأَدرَكَ الآباءَ
دفعوا إِلى الجلاَّدِ أَغلَبَ ماجدًا 
*** يأْسُو الجِراحَ, ويُطلِق الأُسَراءَ
ويُشاطرُ الأَقرانَ ذُخْرَ سِلاحِهِ
*** ويَصُفُّ حَوْلَ خِوانِه الأَعداءَ
وتخيَّروا الحبلَ المَهينَ مَنيّةً
*** للَّيْثِ يلفِظ حَوْلَهُ الحَوْباءَ
حَرموا المماتَ على الصَّوارِم والقَنا 
*** مَنْ كان يُعْطِي الطَّعْنَةَ النَّجْلاءَ
إِني رأَيتُ يَدَ الحضارةِ أُولِعَتْ 
*** بالحقِّ هَدْما تارةً وبِناءَ
شرَعَتْ حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهم 
*** إِلاَّ أُباةَ الضَّيْمِ والضُّعَفاءَ
يا أَيُّهَا الشعبُ القريبُ, أَسامعٌ 
***  فأَصوغَ في عُمَرَ الشَّهِيدِ رِثاءَ؟
أَم أَلْجَمَتْ فاكَ الخُطوبُ وحَرَّمت 
***  أُذنَيْكَ حينَ تُخاطِبُ الإِصْغاءَ؟
ذهب الزعيمُ وأَنتَ باقٍ خالدٌ 
*** فانقُد رِجالَك, واخْتَرِ الزُّعَماءَ
وأَرِحْ شيوخَكَ من تكاليفِ الوَغَى 
*** واحْمِلْ على فِتْيانِكَ الأَعْباءَ