هل نستطيع تحقيق التوازن الحقيقي بين الفاضئين الخاص والعام ؟! عندما نتأمل الحالة الإسلامية في مرحلة الصحوة، نلحظ أنها اتسمت بأعراض إيجابية، مثل الحرص علي استعادة الهوية، والشعور بالذات، ومحاولة التمسك بتعاليم الإسلام، وكانت من مظاهر هذه العودة الاهتمام بالهدي الظاهر، وامتلاء المساجد، ووفرة محصول الكتابات الإسلامية، حتي إننا نلحظ إلي اليوم أنه في معارض الكتاب في عالمنا العربي، يظل الكتاب الإسلامي في صدارة قائمة المبيعات. وقد شهدت هذه المرحلة اعتناء برعاية الفضاء الخاص، كأن يحسن المرء صلاته، ويحرص علي تزكية نفسه بالحج والعمرة، ويتقرب إلي الله بالصيام ونوافل الصلوات، ويهتم بطهارة جسده وملبسه وبيته، ويجتهد في تربية أبنائه، ويلحقهم بمدارس تهتم بالتنشئة علي مباديء الإسلام.
إننا في حاجة إلي مراجعة خطابنا الديني، وإلي إيجاد توازن فيه بين الفضاء الخاص، والفضاء العام، وعلي الدعاة والعلماء أن يخرجوا بالناس إلي حيز تطبيق الإسلام الحضاري، كما نحتاج إلي إعادة طرح الفقه وتحديد أولوياته؛ فقد تضخم الفقه الإسلامي المعني بالفضاء الخاص - كعبادات الفرد وعلاقته الشخصية مع الله- علي مر العصور، ونلحظ كم الكتب الوفير في هذا المجال، وفي كتابات الترغيب والترهيب.
وفي مرحلة اليقظة نأمل أن نري وفرة في الكتابات والبرامج التي تعتني بالفضاء الخارجي للمسلم. إلا أن الفضاء العام لم ينل نفس القسط من الرعاية، ونقصد به تعاليم الإسلام التي تتجاوز سور الذات، لتشمل المجتمع كله؛ فالقضايا المعنية بتطبيق الدين علي المجتمع ككل لم تجد الاهتمام الكافي؛ فخطيب الجمعة يتوعد من يسمع الغناء، لكنه لا يعاتب من يرمي ورقة في الشارع، ويتوجه بالنصائح الملزمة لتارك الصلاة، لكنه لا يعلق علي مشهد ترك الأحذية بدون نظام خارج المسجد يوم الجمعة، وينهي عن المنكرات التي يمارسها الإنسان في بيته، ولا يعير اهتماماً للمنكرات التي تشوه مظهر الدولة، وصورة الإسلام.
إننا لا ندعو إلي إهمال القضايا المتعلقة بالفضاء الخاص؛ فهي مستمرة مع الإنسان ما بقيت الروح في الجسد؛ لكننا ندعو إلي التوازن في الطرح، حتي يتحقق التوازن في الفعل، فينتدب الدعاة والعلماء أنفسهم لتوجيه الناس إلي فن رسم لوحة الإسلام الحضاري، فيغذون الفقه الإسلامي بهذا الجانب، ويرصدون الظواهر السلبية التي تضر المجتمع ككل، ويعطونها أولوية، ويمارسون الأمر بكل معروف يتعلق بمظهر الدولة الحضاري، وينهون عن المنكر الذي يسيء إلي مظهرها الحضاري، علي قدم المساواة مع اهتمامهم بالفضاء الخاص وترغيبهم وترهيبهم فيه.
د/ جاسم سلطان