الجمعة، 7 ديسمبر 2012

ثقافة الخوف في النفس البشرية


هل تحب الشعور بالخوف؟ وقبل أن تجيب يجب أن تأخذ فكرة عن سيكولوجيا الرعب في النفوس البشرية، حتى تتيقن من صدق إجابتك الذاتية مع نفسك.
إن الرعب – يا صديقي – هو اللذة الحريفة التي يبحث عنها كل فرد منا داخل نفسه حينما تأتي روح التحدي والمغامرة تفرض نفسها عليه من خلال تصرف معين غير منطقي، تدفعك إليه نفسك لبلوغ غاية نفسية وفسيولوجية معينة.
شاهدت منذ فترة ليست بالقصيرة فيلماً أمريكياً يحكي عن فتاة تحيا حياة عادية، ولكنها تبحث عن عناصر الإثارة في الحياة بمختلف الطرق، وبالتحديد الإثارة الحريفة التي تحرك القلب والمشاعر، فانطلقت لتعلم القفز بالمظلات كهواية تتطلب تحدي خاص.
وفي نفس المدينة كان هناك مليونير يمتلك نفس الهواية الحريفة وإن كان تطبيقه لها على نحو أكثر جنوناً، فكان يدخل بسيارته الفارهة وبذلته الفاخرة حي هارلم – حي الزنوج في أمريكا – معرضاً نفسه لخطر الموت بدون أن يشعر به أحد، ولكنه يقاوم مهاجمه بصورة انتحارية فيها جرأة شديدة ويتغلب عليهم و يأخذ سلاحه أيضاً كتذكار لمغامرته.

ويجتمع الاثنان – الشاب والفتاة – على هذه الهواية ويندمجا فيها حتى النخاع، فيحاولا الوقوف على أعمدة خرسانية لناطحة سحاب تحت الإنشاء، ويحاولا العبث مع ثعبان الكوبرا، ويقفزا من الطائرة بالمظلات ولا يفتحا المظلات إلا بعد الحد الآمن من الارتفاع، يظلا على هذا المنوال حتى تأتي لحظة مجنونة يقررا فيها سرقة بنك، من باب المغامرة فقط وليس من باب الإجرام فيكتشفهما الحارس، فيقتله الشاب .. ويبدأ السقوط.
القصة طريفة ومثيرة، ولكنها كشفت لي عن جانب مدهش للغاية في شخصية الإنسان .. ذلك الذي يعشق الخوف.

المغامرة الآمنة

هناك فئة ليست قليلة من الشباب والمراهقين يسعى حثيثاً إلى الاستمتاع بهذه اللذة الحريفة على نحو أو آخر في حياته، فترى الشاب حريصاً على مشاهدة أفلام الرعب شديدة الإثارة، ورؤية المشاهد البشعة الحقيقية والتمثيلية، والسير بالسيارة على سرعة تتجاوز الـ 160 كم في الساعة، ودخول بيت الرعب في مدينة الملاهي، وركوب القطار المجنون الذي يسير بسرعة 360 كم في الساعة.
هذا كله يصب في بوتقة واحدة هي بوتقة المغامرة الآمنة التي تقوم بها وأنت جالس على كرسي السينما، فتعيش مع أبطال الفيلم أحداث الفيلم الشيق المثير المخيف، ويتجمد الدم في عروقك، ولكن لم يلبث الفيلم أن ينتهي وتنهض أنت ذاهباً بعد أن تطلق زفرة استمتاع (أووووه – واوووو – إييييييه) مفادها أنك استمتعت بهذا العرض، وأنك هنا آمناً مطمئناً بعيداً عن أحداث العنف الحقيقية التي كنت تشاهدها منذ قليل.

البحث عن انتصار

ثقافة الخوف في النفس البشرية لها جانب تحفيزي على النفس، في أن تتغلب على عقبة ما في شخصيتك، وإيحاء أنك تصبح أقوى حينما تتعرض لمؤثرات قوية مخيفة على النفس وتتطلب منك ثبات.
فحينما تشاهد مشهداً دموياً لأحد وهو يُقتل مثلاً هذا أمر مخيف ولا تتحمله النفس العادية، وربما تنهار من رؤيته بعض الفتيات، أو الشباب مرهف الحس، فأنا على سبيل المثال كان لي تجربة في هذا الشأن، وكانت أول مرة لي أرى فيها شخص حي يُذبح، فارق النوم عيني ليلتين متواصلتين، ولكن كان داخلي حافز قوي يدفعني إلى المشاهدة، بدعوى أن أكون أكثر شجاعة أو تصبح أعصابي أشد قوة، أو أعطي لنفسي خلفية عن هذه المشاهد حتى إذا تعرضت لها يوماً ما – في الجهاد مثلا – أثبت ولا أجبن.
هذا ما كنت أحاول إقناع نفسي به، وحتى الآن لا أدري ما هو السبب اليقيني الذي دفعني إلى مشاهدة هذه المشاهد البشعة التي لا أقربها ولا أحاول النظر إليها الآن .. أعود فأقول .. ربما هي مرحلة المراهقة، التي يكون فيها الشاب يسعي إلى جمع أكبر قدر ممكن من الانتصارات لإكساب الشخصية قوة، وتزكية عنصر الثقة بالنفس أكثر وأكثر.

هرمون الأدرينالين

هو هرمون الحياة في النفس البشرية، موقعه في الغدة فوق الكلوية، به يستدل الكلب بغريزته عن مدى خوفك منه أو اطمئنانك منه، ومنه يستنتج مدى مصداقيتك وأمانتك، وذلك حينما يأتي ليشم ما بين فخذيك.
هذا الهرمون هو الهرمون الذي مع إفرازه تزداد ضربات القلب سرعة، ويجف اللعاب، وترتفع الدماء إلى وجه المرء، ولكن مع انتهاء فورته وانحسار القلق والإثارة يُفرز اللعاب بكثرة مرة أخرى في الفم منبئاً إياك عن انتهاء الأزمة العصبية التي كنت تتعرض لها.
هرمون الأدرينالين هو الهرمون الذي يحول الشخص العادي في لحظة إلى سوبر مان، فسمعنا عن امرأة ترفع عن ولدها شجرة سقطت على قدمه تزن أطناناً، وعن أخرى ظلت رافعة سيارة عن جسد ولدها لأكثر من نصف ساعة حتى وصلت قوات الإسعاف، وغيره وغيره من المواقف.
هذا الهرمون في رأيي هو هرمون الإثارة الذي يبحث الشباب عن مذاقه، فبسببه رأيت مجموعة من الشباب يتسابقون بالدراجات البخارية (موتوسيكلات) في الطرق السريعة ويقومون بعمل الكثير من الحركات البهلوانية بطريقة أنا شعرت بها بمذاق الأدرينالين في خلاياي، فكيف بهم؟
الكثير والكثير من الناس يبحث عن هذه المتعة الحريفة – متعة الخوف – ولكنها تختلف من شخص لآخر، فمنهم من يتحول إلى مجرم عتيّ الإجرام، ومنهم من يصبح مغامراً مشهوراً يُشار إليه بالبنان .. ولكن في جميع الحالات هي حالة فريدة لدى النفس البشرية العجيبة التي تبحث فيها عن التلذذ بالخوف.
مما راق لي