آيات اليوم هي
واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ( 7 ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 8 ) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ( 9 ) )
أن التكاليف وإن كثرت إلا أنها محصورة في نوعين : التعظيم لأمر الله تعالى ، والشفقة على خلق الله ، فقوله : ( كونوا قوامين لله ) إشارة إلى النوع الأول وهو التعظيم لأمر الله ، ومعنى القيام لله هو أن يقوم لله بالحق في كل ما يلزمه القيام به من إظهار العبودية وتعظيم الربوبية ، وقوله : (شهداء بالقسط ) إشارة إلى الشفقة على خلق الله وفيه قولان :
الأول : قال عطاء : يقول لا تحاب في شهادتك أهل ودك وقرابتك ، ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك .
الثاني : قال الزجاج : المعنى تبينون عن دين الله ، لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه .
يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه ، فقال [ تعالى ] ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) [ ص: 62 ] وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عند إسلامهم ، كما قالوا : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله " ، وقال تعالى : (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ) [ الحديد : 8 ] وقيل : هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) [ الأعراف : 172 ] قاله مجاهد ومقاتل بن حيان . والقول الأول أظهر ، وهو المحكي عن ابن عباس والسدي . واختاره ابن جرير .
ثم قال تعالى : ( واتقوا الله ) تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال .
ثم أعلمهم أنه يعلم ما يتخالج في الضمائر والسرائر من الأسرار والخواطر ، فقال : ( إن الله عليم بذات الصدور )
وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله ) أي : كونوا قوامين بالحق لله ، عز وجل ، لا لأجل الناس والسمعة ، وكونوا ( شهداء بالقسط ) أي : بالعدل لا بالجور . وقد ثبت في الصحيحين ، عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : " أكل ولدك نحلت مثله؟ " قال : لا . قال : " اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم " . وقال : " إني لا أشهد على جور " . قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة .
وقوله : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) أي : لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم ، بل استعملوا العدل في كل أحد ، صديقا كان أو عدوا ; ولهذا قال: ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي : عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه . ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه ، كما في نظائره من القرآن وغيره ، كما في قوله : ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ) [ النور : 28 ]
وقوله : ( هو أقرب للتقوى ) من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء ، كما في قوله [ تعالى ] ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان : 24 ] وكقول بعض الصحابيات لعمر : أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) أي : وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ; ولهذا قال بعده : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ) أي : لذنوبهم ( وأجر عظيم ) وهو : الجنة التي هي من رحمته على عباده ، لا ينالونها بأعمالهم ، بل برحمة منه وفضل ، وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم ، وهو تعالى [ ص: 63 ] الذي جعلها أسبابا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه ، فالكل منه وله ، فله الحمد والمنة .
اللهم اجعلنا من الحامدين الشاكرين العابدين المتزللين لك وحدك
اللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب .. " اللهم أنت ربي لا إله إلاأنت خلقتني وانا عبدك وأناعلى عهدك ووعدك مااستطعت،اعوذ بك من شر ما صنعت،أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت."