الأحد، 24 فبراير 2013

عجلة والنبي



في عمق زحمة شوارع مدينة القاهرة، حيث تلتصق السيارات بعضها ببعض ويكاد بعضها يعلو فوق بعض، ويختنق الطريق ويتوقف سيره تماماً، تجد سائق سيارة الأجرة وقد أخرج رأسه من نافذة سيارته صارخاً بالسائق الذي أمامه: "عجلة والنبي!"، طالباً من صاحبه "بجاه النبي" أن يتحرك ولو بمقدار عجلة واحدة، أي بمقدار دورة واحدة لإطار سيارته... فيا للعجب... ماذا ستفعل عجلة واحدة في تلك الزحمة؟!

إنه الأمل يا سادة...

صاحبنا يبحث عن بصيص من الأمل، ولو بمقدار عجلة واحدة… نعم يا سادتي، فالحركة مهما صغرت، تبث الأمل في الأوصال، وتثير النفس لما قد يكون بعدها، حيث تفتح باب الفكر والنفس لإمكانية حصول التغيير، لإمكانية العيش حقاً، أما الوقوف والجمود والشلل فهي بداية النهاية... بل هي النهاية... بل الموت بعينه!

حين يفقد الإنسان الأمل في حياته فإنه يكون قد فقد أثمن وأغلى ما يملك، وحين يستمسك بالأمل ولا يتخلى عنه دائماً فقد امتلك أثمن وأغلى أداة يمكن أن تمنحه السعادة وراحة البال والاطمئنان في حياته ومعيشته، بل الأداة التي تمكنه من العيش حقاً.


يروى عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: "أنا رجل أحيا بالأمل، فإن تحقق فبفضل الله، وإن لم يتحقق فقد عشت به فترة". وفي هذه العبارة الجميلة قُرِن الأمل بالعيش، حيث قال: "عشت به فترة"، وهذا هو المراد.


الأمل هو العيش، وأما اليأس والقنوط فهو الموت. من يتفاءل ويتمسك بالأمل ويتحرك وفقاً لذلك يعش هانئاً مرتقباً لما عند الله من الخير، حتى وإن لم يتحقق له ما كان يأمل في النهاية، واختار الله له بديلاً آخر لحكمة هو أدرى بها سبحانه، فإنه على الأقل لم يُضِع أيامه التي مضت يتجرع كآبة التشاؤم ومرارة اليأس، فكان بذلك وكأنه قد عاش الهزيمة النفسية مرتين، مرة حين لم يحصل على مراده في النهاية، ومرة طويلة سبقتها عندما كان يائساً وقانطاً أصلاً من إمكانية تحقق ما يريد، بل لعله في حالته البائسة تلك هو من أقعد نفسه عن الحركة... وهو من خذَّل روحه عن التوق... وهو من أصاب قلبه في مقتل فأخرس نبضه.


أعجب كثيراً من اليائسين والقانطين والمتشائمين، ولطالما قلت لهم: ما ضركم لو تمسكتم بالأمل وتفاءلتم حتى اللحظة الأخيرة... ماذا كنتم ستخسرون؟!


التفاؤل والإيجابية والأمل دائماً وفي كل الأوقات والأحايين يا سادتي ليست خداعاً للنفس وليست شراء للوهم أبداً، بل هي منتهى الثقة بالله عز وجل، وهي مدلول حديث النبي عليه الصلاة والسلام: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له".


نعم، إن التفاؤل والإيجابية والأمل هي علامات الثقة بأن مآل أمر المؤمن إلى ربه، في كل الظروف ومهما حصل، إلى الخير مهما دل ظاهر الصورة على غير ذلك، وهي كذلك تربية للنفس وتهذيب لها بعدم استعجال القطاف، لأن الليل مهما طال ظلامه لابد للصبح أن ينجلي وأن تشرق الشمس ويشع النور.

 د/ ساجد العبدلي