السبت، 17 نوفمبر 2012

الجمال في حياتنا


“ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون” – سورة النحل 6
“إنّا زينّا السماء الدنيا بزينة الكواكب”- سورة الصافّات 6
“يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد” – سورة الأعراف 31
“و زينّأ السماء الدنيا بمصابيح وحفظا” – سورة فصّلت 12
“ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين” – سورة الحجر 16
“أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه” – سورة الأنعام 99
“قل انظروا ماذا في السماوات والأرض” – سورة يونس 101
“صنع الله الذي أتقن كل شيء” – سورة النمل 88
“أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت” – سورة الغاشية 17-20
إنّ الله جميل يحبّ أن يكسو الجمال البواطن والظواهر فيشبع العين والأذن والفؤاد، لذلك ملأ كونه الفسيح بالجمال وألقى عليه مسحة من الروعة والإبداع في الألوان والأشكال ،فآتى نبيّه داود – عليه السلام- صوتا ندياً جذب إلى ترنيماته تجاوب الجبال والطيور: “ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير ” – سورة سبأ 10
كم يؤسرنا جمال الطبيعة ويأخذ من حياتنا من أوقات.جمال الطبيعة وتذوقه لا يحتاج إلى مال أو قصور لنشعر به.. هو فقط يحتاج إلى رقي حس  ونبضة قلب وعين ترى الأفق البعيد وروح لها القدرة على التحليق في فضاء الكون الفسيح.


كتب عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- إلى قائد جيشه يقول: “إذا جاء الربيع فأخرج الأجناد إلى الوادي ليروا كيف يحي الله الأرض بعد موتها “… هذه مسحة جمالية رأى أمير المؤمنين أن يزوّد بها جيشه رغم ما يبدو من تباعد بين الخدمة العسكرية والجمال، لكنّه تفطّن إلى التكوين المتكامل الذي لا يمكن أن يهمل عنصرًا فاعلاً كثيرا ما استعمله القرآن الكريم لتنفذ معانيه إلى النفوس

يقول صاحب الظلال رحمه الله: “هذا الليل الطامي السادل الشامل الساكن إلّا من دبيب الرؤى والأشباح، وهذا الفجر المتفتّح في سدف الليل كابتسامة الوليد الراضي، وهذه الحركة يبستم بها الصبح فيدبّ النشاط في الحياة والأحياء، وهذه الظلال السارية يحسبها الرائي ساكنةً وهي تدبّ كالطيف، وهذا الطير الغادي الرائح القافز الواثب السابح في الهواء،وهذا النبت المتطلّع أبداً إلى النماء والحياة “

سحر الجمال…كيف لا والمؤمن يرى يد الله وراء كلّ نجم يبزغ أو يأفل وكلّ برعم يترعرع أو يذبل وكلّ ورقة تنبت أو تسقط وكلّ نبع يرفرف أو يغيض وكلّ حيّ يولد أو يموت؟ إنّ الإحساس بجمال الكون وروعته عبادة فإذا سلك الفنّ هذا المسلك فهو من وسائل العبادة وذرائعها ، وللسمع حظّه من الاستمتاع بالجمال ، فهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يشنّف سمعه بقراءة أبي موسى وابن مسعود رضي الله عنهما ، ويطرب لشعر الخنساء ولبيد وكعب بن زهير، ويتنبّه إلى ما فجّره الحادي بترنيماته من أحاسيس غلبت نساء القافلة في الهوادج فيشفق عليهنّ ويقول بعبارة فيها تأثّر وإعجاب وتشجيع أيضا :” رفقا بالقوارير يا حادي ” ، ويأتيه رجل ثائر الشعر فينتهره ويأمره بتسريح شعره وإصلاح هيئته.

أمّا الصحابة رضوان الله عليهم فقد فهموا عن الله ورسوله معنى الإبداع والجمال في الكون ومعنى بديع صنع الله عزوجل فقد كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما ليصف له البحر، فأجابه: "إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق"..

ومن روائع حضارتنا ما تفرّدت به من مسحة جمالية فريدة في العمران كالمساجد والقصور والحصون والخطّ العربي…أو ليس قصر الحمراء – مثلا - آية في الجمال تضاهي عجائب الدنيا؟ وقل مثل ذلك عن المسجد الأزرق في اسطنبول وتاج محلّ في الهند.

إنّ الذوق الجمالي يهزّ المشاعر ويربط القلوب بالمعاني السامية ، إن الجمال يرتقي بالنفس لتسموا وتحلق عاليا تحلق فيما وراء هذا الكون من عظمة ورقي وحس من نوع خاصف هو حس يملأ القلب والعقل بنور وفيض من الإيمان

خلق لنا الله عزوجل حواسنا لنتتفكّر في خلق الله ولننظر فيه لإدراك الحسن والتأثّر ببدائع الصنع وإمتاع السمع والبصر به ولنعبده برهبة ورغبة وحب ونسجد بكل جباهنا و قلوبنا لنقول يارب شهدنا أنك حق وشهدنا بأن للكون رب خالق عظيم مبدع .

خاطرة قلمي هيام فوزي