الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

قائد بغير نظير




قائد بغير نظير

عندما تنعقد المقارنة بين المعارك القديمة والمعارك العصرية ينبغي أن ننظر إلى فكرة القائد قبل أن ننظر إلى ظواهر المعارك أو إلى أشكالها وأحجامها، فلا معنى إذن للمقارنة على الإظلاق إذ من المقطوع أن عشرة ملايين يجتمعون في ميدان واحد أضخم من عشرة آلآف، وأن حربا تدار بالمذياع والتليفون أعجب من حرب تدار بالفم والإشارة، وأن نقل الجنود بالطائرات والدبابات أبرع من نقلهم على ظهور الخيول والإبل، وأن المدفع أمضى من السيوف، والرصاصة أمضى من السهم، فلا معنى إذن من لمقارنة بالظواهر تنتهي نتيجة واحدة .. هي استضخام الحرب الحديثة والنظر الى القيادة الغابرة كأنها شيء صغير إلى جانب القيادة التي توجه هذه الضخامة.

لكننا إذا نظرنا إلى فكرة القائد وأمكننا أن نعرف كيف أن توجيه ألف رجل قد تدل على براعة في القيادة لا نراها في توجيه مليون، بينهم الراجل والراكب، ومنم من يركبون كل ما يركب من مخلوقات حية وآلات مخترعة.

وهذه الفكرة هي التي تُرينا محمدا صل الله عليه وسلم قائدا حربيا بين أهل زمانه بغير نظير في رأيه وفي الإنتفاع بمشورة صحبه، وتبرز لنا قدرته النادرة بين قادة العصور المختلفة في توجيه كل ما يتوجه على يدي قائد من قوى الرأي والسلاح والكلام .

وهذه القدرة هي شهادة كبرى للرسول (صل الله عليه وسلم ) تأتي من طريق الشهادة للقائد الخبير بفنون القتال.

فمن كانت عنده هذه الأداة النافذة فاقتصر بها على الدفاع واكتفى بالضروري الذي لا محيص عنه، فذلك هو الرسول الذي تغلب فيه الرسالة على القيادة العسكرية، ولا يلجاء إلى هذه القيادة إلا حين توجبها رسالة الهداية.

ويزيد هذه الشهادة عِظما أن الرجل الذي يجتب القتال في غير ضرورة رجل شجاع غير هياب.

عبقرية محمد ( صل الله عليه وسلم)
لمحمود عباس العقاد (رحمه الله)