قبل 22 عاما تعلمت درسا مهما في صناعة النجاح.. ففي ذلك الوقت قررت مراسلة الصحف السعودية والمجلات العربية على أمل الكتابة في إحداهن.. وكي أثير إعجاب رؤساء التحرير (وأدخل عليهم بقوة) قررت أولا كتابة 20 مقالا مميزا أقدمها في ملف واحد.
كنت واثقا من قدرتي من الانتهاء من كتابتها خلال أربعة أيام، ولكنني في الحقيقة احتجت الى ستة أسابيع لإنجاز 15 عشر مقالا فقط.. ببساطة، أعماني الغرور عن استحالة كتابة عشرين مقالا خلال هذه الفترة القصيرة (خصوصا فيما يتعلق بالمقالات المنهجية التي تعد بمثابة أبحاث صغيرة).
ومن يومها أدركت أن النجاح لا يتعلق بالكمية بقدر ما يتعلق بالاستمرارية.. لا يتعلق بالمجهود الضخم والهدف النهائي بقدر ما يتعلق بخلق عادة يومية سهلة تستمر معنا طوال العمر.. بدل شغل نفسي بكتابة عدد كبير من المقالات - أو تأليف كتب ضخمة - قررت خلق عادة يومية تقتصر على كتابة مقال واحد.. في اليوم!
واليوم؛ حين أراجع أرشيفي الإلكتروني أفاجأ - قبل أي شخص آخر - بامتلاكي لأكثر من 7920 مقالا (وأنا الذي عجزت عن كتابة 20 فقط وكنت أحلف أن ما من انسان يمكنه تحمل الكتابة بشكل يومي)!!
وهذه التجربة الشخصية مجرد مثال ونموذج على أهمية خلق عادة يومية ناجحة دون حمل هم النجاح ذاته..
لا تشغل بالك بالحصول على جسد رشيق بل بتخصيص عشر دقائق يومية لممارسة الرياضة..
لا تشغل بالك بإتقان اللغة الانجليزية أو الصينية أو الأسبانية بل بحفظ خمس كلمات يومية..
لا تشغل بالك بحفظ القرآن كاملا بل بمراجعة نصف صفحة في اليوم فقط..
لا تفكر بعمل ريجيم (أو خسارة 30 كيلو خلال شهرين) بل بخلق عادات غذائية صحية تستمر معك طوال العمر.. فالعمر ببساطة يمضى بسرعة وحين تستمر (وتداوم) على أي عادة ناجحة ستفاجأ بعد عام أو عامين أنك - ليس فقط حققت هدفك - بل وتجاوزته بأشواط عديدة (الأمر الذي سيفاجئك أنت شخصيا قبل أي إنسان آخر)!!
.. لنفترض أنك قررت تخصيص ساعة يومية لفعل أربعة أشياء أساسية:
- ربع ساعة لحفظ القرآن.
- ربع ساعة لرفع الأثقال.
- ربع ساعة لحفظ كلمات انجليزية.
- ربع ساعة لحفظ كلمات فرنسية.
بعد سنوات قليلة (تمر بغمضة عين) ستفاجأ بحفظ القرآن، وامتلاك جسد مفتول، والتحدث بلغتين عالميتين.. وكلها ساعة من نهار لا تقارن بزحمة الرياض!
.. أذكر أنني قرأت سيرة وزير خارجيتنا الأمير سعود الفيصل واستغربت - لأول وهلة - من إتقانه لسبع لغات عالمية (من بينها العبرية).. لا أعرف طبعا كيف فعل ذلك ولكن لنفترض أن صحفيا سأله عن السر فقال: عودت نفسي منذ عملي في الخارجية على تعلم لغة جديدة كل عام.. في هذه الحالة لن تستغرب من إتقانه لسبع لغات، بل من عدم إتقانه ل 38 لغة طوال مدة عمله في وزارة الخارجية!!
.. القضية باختصار أن الإنجاز الناجح لا يتطلب التفكير بالحجم أو الهدف النهائي/ بل إن مجرد التفكير بهما وبكيفية تعلم سبع لغات أو كتابة 7920 مقالا يسبب الإحباط وينتهي الفشل قبل البدء بالعمل.
الإنجاز الناجح ببساطة يتطلب (خلق عادة يومية ناجحة) تنتهي بمراكمة النتائج وتحقيق هدف أكبر وأعظم مما توقعت أصلا!!
.. هل ترغب باختصار المقال بخمس كلمات فقط!؟
(أحب العمل أدومه وإن قل).
فهد عامر الأحمدي